النظرة المجتمعية والمرضى النفسيين
الوصمة (بالإنجليزية: Stigma) بمفهومها العلمي هي النظرة السلبية للمريض وأسرته، والخجل من الاعتراف بوجود مرض نفسي، سواء من المريض نفسه أو من أسرته، خوفاً من وصف المريض بالجنون، وبالتالي نفور الناس منه ومن أسرته.
وللوصمة أبعاد نفسية واجتماعية بعيدة المدى، تؤثر في المريض وأسرته، بل وأحياناً في المحيط الاجتماعي من حوله.
النظرة المجتمعية للأمراض النفسية
ما زالت مجتمعاتنا في غالبيتها تنظر إلى المريض النفسي على أنه مختل عقلياً، فيقيمون بينهم وبينه الحواجز الاجتماعية خوفاً منه، أو حتى من التعامل معه. ويعتبر المرض النفسي شبيه بالأمراض العضوية التي تصيب الإنسان في أي وقت، حيث تتحسن صحته مع العلاج. وكلما كان العلاج مبكراً كانت النتائج أفضل، علماً أن الكثير من المرضى وأهاليهم يترددون في مراجعة الطبيب المتخصص خوفاً من نظرة المجتمع لهم، أو يضطر البعض الآخر الى السفر للعلاج في الخارج، بعيداً عن عين الرقابة المحلية. ويواجه الأشخاص المرضى الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية التمييز بشكل يومي، بما في ذلك مجالات التعليم والتوظيف والسكن. وتقوم بعض البلدان بالتمييز ضدهم، الى حد منعهم من التصويت في الإنتخابات أو الزواج أو إنجاب الأطفال!
وللأسف فإن من يعاني من مشكلة نفسية ويود زيارة الطبيب النفسي يعتبر مجنوناً في نظر المجتمع، فيبتعدون عنه ويتجنبون التعامل معه، ولهذا نجد في كثير من الأحيان أن الكثيرين من المرضى وأهاليهم يفضلون العلاج في الخارج خوفاً من أن يعلم أحد بأمر مرضهم.
ساهم في نشوء هذه النظرة السلبية الإعلام المتمثل في الأفلام التي أظهرت الطبيب النفسي على أنه شخص غير طبيعي، ويعاني من اختلال عقلي، الأمر الذي شوه الصورة أمام الناس. فطبيعة المجتمع والعادات والتقاليد حكمت على كل من تطأ قدماه عيادة للطب النفسي بالجنون، فغالبية الأفراد لا يستطيعون التفريق بين حالات “الاختلال العقلي والجنون”، وبين بعض المشكلات النفسية البسيطة. ففي الحالة الأولى لهم مستشفيات وعيادات خاصة بهم، أما المشكلات النفسية الطارئة (الاضطرابات) فهم يحتاجون فقط بعض الاستشارات الطبية لتجاوز المشكلة، سواء كان علاجاً سلوكياً أو علاجاً دوائياً، فهم أناس فقط يعانون من ضغوط الحياة أو بعض الصدمات العاطفية التي تسبب بعض المشكلات النفسية التي يمكن تجاوزها.
وفي كثير من الحالات يتوجه المرضى وأهاليهم نحو المشعوذ طلباً للعلاج، ظناً منهم أن المريض “يتلبسه الجن”، الأمر الذي يزيد من تفاقم الحالة ويُصعّب الشفاء والعلاج.
يذكر أن بعض الأمراض النفسية قابلة للشفاء، في حين أن غالبيتها قابلة للتحسن بنسب عالية، مع المواظبة على العلاج والتعامل الصحيح أسرياً واجتماعياً.
ومن مظاهر الوصمة الواضحة، أن الغالبية العظمى من الناس لا تزور المريض النفسي في المستشفى أو البيت، لكنها تزور المريض الجسدي.
ماهية الإضطرابات النفسية
الاضطرابات النفسية هي حالات موسمية مثل الاكتئاب الذي يكثر في فصل الشتاء، بالإضافة إلى حالات القلق والخوف. وهذه الحالات تعد مشكلات طفيفة وغير خطيرة، وهناك أيضاً بعض السلوكيات الخاطئة التي تتحول إلى مرض نفسي، ويكون من الضروري تقويم هذه السلوكيات وتجاوزها مع الطبيب النفسي. ويلجأ نحو 50 في المائة من الأسر إلى الخارج حفاظاً على سرية مرض أبنائهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى مشاكل في تعاطي الدواء، حيث يتم تناوله بطريقة عشوائية.
وإذا لم تعالج الأمراض النفسية من البداية، فقد تتفاقم المشكلة وتتحول إلى مرض عضوي. فعزوف الناس عن الطب النفسي جعل الأمراض النفسية تتراكم وتتكاثر بين الأفراد، لذا لا بد من الذهاب فوراً إلى الإختصاصي النفسي أو الطبيب في حال شعر الفرد بأمر غير طبيعي. فمن المهم تغيير هذه النظرة من خلال تكثيف الحملات التوعوية مثل المحاضرات وورش العمل حتى نوجه الناس لأهمية الإختصاصي والطبيب النفسي وتفعيل دوره في المجتمع.
وهناك اتجاه سلبي سائد في المجتمع نحو زيارة الأشخاص لعيادة الطبيب النفسي، فكل من يزور الطبيب النفسي يتم الحكم عليه من قبل المجتمع بالجنون وأنه شخص غير سوي.
وفي الجانب الآخر، هناك الكثير من الأشخاص اختلطت عليهم الأمور في تخصصات العلوم النفسية، حيث يوجد فرق ما بين الطبيب النفسي، وهو الذي يعالج بالأدوية والعقاقير، وما بين طبيب الأمراض العصبية، وهو الذي يقوم بإجراء العمليات على المخ والجهاز العصبي وخلافه، إضافة إلى الإختصاصي النفسي والمرشد الطلابي والمرشد النفسي، وجميعها تخصصات في علم النفس.
النظرة المجتمعية إلى الطبيب النفسي
كان للإعلام دور سلبي في تصوير الطبيب النفسي والمجال النفسي، عموماً، مما وضع هالة معتمة حول هذا المجال. كما يؤثر المستوى التعليمي للأفراد في مدى نظرتهم للطب النفسي، ولهذا نعول على دور المؤسسات الإرشادية والمؤسسات التربوية في تغيير النظرة واتجاهات الأفراد نحو الطب النفسي.
للطبيب النفسي مكانة كبيرة ومهمة في المجتمع الأوروبي، فالصحة النفسية للفرد تنعكس على جميع مظاهر حياته فتجعله متفائلاً منتجاً في عمله وسعيداً في حياته، وإن لم تكن للطب النفسي أهمية، لما وجدناه في عدة أماكن مهمة. فالمشكلات الأسرية في المحاكم يتم تحويلها إلى مراكز الإرشاد والتوجيه والمراكز النفسية لحلها، حيث يمتلك الطبيب أو الإختصاصي النفسي مهارات في تعديل الأفكار والسلوكيات التي تكونت بين الزوجين، وأصبح يتواجد في جميع المدارس أيضاً الاختصاصي النفسي لحل الكثير من المشاكل التي تعترض الطلاب وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، وبينهم وبين المعلمين.